كن أناي تمتلكني

أكاد أجزم أن الحروف إنّما خُلِقَتْ لِتُكتب شعراً فقط...



الخميس، 12 أغسطس 2010

ضّيقٌ بحرِي

ضّيقٌ بحرِي











بتواضعٍ كادت تنام على الحصير روائعي،



وأبيةً كانت تذوب كشمعة الأسحارِ،



وما زالت تؤرِّقُني غرائِبُها،



تخافُ من المساء ومن دجى الأيَّام أحلامي،



ولا شيء يُصلح في الصباح مفاسدَ الأشعار،



والنظمُ في طيّ الحروف مغامرٌ



ما انفكت تراوده بسحر جمالها عن نفسه



جنيّةً لا يستريح من الغواء جنونُها،



والقلب يرجو عطفها الغجريَّ،



مصلوباً على الأعواد والخشب،



فأنا بدون دهائِها الموروثِ لن أتذّوق حلاوةَ الوَجْدِ،



ولن أسعى بجدّ وراء لذّة اللسْعِ،



وما غنّت لها الأوتار، وما



انكشف الجمالُ المستحيلُ لعاشقِ الوردِ.



أرى في حبّها ألماً وفي آلامها الحبَّ،



وفي طعناتها رشحاً من الَزهَرَ،



وفي أزهارها وَخْزٌ كما الإبَرِ،



قليلٌ من خِدارِ الحبر يملأني،



إذا ما صُّبَّ من كأس الهوى العَبِقِ،



وما العمر الذي نحيا،



سوى يومٍ بمشرقِهِ ومغربِهِ.







دعوني أرشف الساعات أشربُها



وأسكب ما ترسَّبَ في زوايا الكأسِ من زمنٍ.







دعوني في كهوف الليَّل والجنِّ،



لأقتات اليسيرَ من الفتات، ومن



بقايا الوقت، أوقاتاً تساعدني،



لأنْصبَ فوق ساريتي شراعاً



لا تمزّقُه العواصفُ غِيلَةً أبداً.







أمدّ بصوتيَ البحريَ في الأفقِ،



كبُحّة حزنيَ المرسومِ في الشفقِ،



تَشفّني لحناً غفا في حضرة الناي الحزينِ،



مُتّحِداً بآهاتٍ من العشق.



دعوني أجمع الأخشاب في صمتٍ،



أسابقُ في بناءِ الفُلك أيّامي،



وأعصر من سلالةِ أشرفِ الأعنابِ أمنيةً،



أغِيبُ بها، أجنّ بها، تُرَنّحُني،



وتحملني إلى المجهول مُلتحِفاً



نجومَ الليل والسُّحُبِ،



أطوف بها، بكعبتها، وإنْ أسع فقد ظلّ المدى ساحي،



وأُبحِر في جهات الكون معتمراً،



وثوبٌ من صباغ الثلج إحرامي،



وقرباني أقدّمه على طبق من الشِّعْرِ،



سَيَقْبلُهُ الإلهُ فقد أوحى إلى الرسلِ



كلاما ساد معجزةً ولسنا نُحسِنُ التقليدَ،



لن نأتي بمثل جميله نثراً.



دعوني في صوامع جَنَّتي الغنَّاء ملتمساً



خفايا الروح والأهواء والنزوات والزهدِ



وأني واثقٌ أنّ البحارَ بقاربي كادت تضيق رحابُها



وجنون أشرعة الرياح ولحنها ما عاد يغري مسار قواربي،







ولم تصغ لغير القلب بوصلةٌ وذو بصرِ،



ولم تذعن لغير الله في البحر،



أنا الحرف الذي غارت شواطيه،



كما الخمرُ المعتَّقُ في جرارِ الغابرِ الأزلي،



أنا المرسى، وإن شئتِ، أنا الأحلام في الحبر.







بيروت



29/3/2009

إغفاءة

إغفاءة










لم تكن إغفاءة زهدٍ مرجوّة،

ما بين القصيدة والأمنياتِ.

فماذا تكون؟

وعسى أن تكون إشارات رؤيا

تلك التي تثقل الرأس،

بخمرة بعد منتصف الليل، .

تأسر عقلي بسجنِ خيالٍ ليس يُحَدُّ كطيفٍ جميلٍ

تدغدغُ صمتَ المساءاتِ

أوتارٌ من عروق القلب وما فيه،

ينساب خفيفاً مثل الجداول في رقعة المستحيلْ،

دون أن يلتفت للخلف ولا

يصغي لاستغاثات في الخميلْ



لم تكن إغفاءةً نجوىً صوفيَّة،

فقد أغمضت العينَ لا أكثرْ

تحت ظلِّ النخل الوارف

حيث تلامس شاطئ رملٍ،

والشمس كانت قد انسحبت،

فالرمل هباءٌ لا يُؤتمنْ،

والموج غضوبٌ لا يُؤتمنْ...

وأنا ما زلت أُصَدِّقُ نبض حروفك

قبل انتصاف الليل بخطوةْ،

واللاَّمعُ الفضِّيُّ سراج لنجمةْ،

وينسى المكانُ المكانْ،

وكذا فعلت ناسخاتُ الزمانْ.

وأنا ما زلت أعاقر

نبضَ حروفٍ تصرخ فيّ وتدعوني

لعناقٍ تحت المطرْ،

تتبختر حولي راقصةً كلَّ مَسّاءْ،

هي تنثر من خزنة الجنّ

عطراً، رذاذاً، وخمرةْ،

كي تستقرَّ فصولاً حيث تشاءُ، وكيفّ تشاءْ،

وأنا لازلت جريئا ألتمِسُ الليلةَ

معجزةً ستكونْ بكتابِ القَدَرْ.

وترانا على سطحٍ خشبيٍّ في قاربين لصيقين تهنا،

على غير هدي في الجهات

ودون شراع أو دفّة أو ضياءْ،

نغمض العين طوعا، ونبحر غرباً، بعفويَّة الريحِ والعاصفةْ،

ونطير معاً، وملاك الشعر، ملاك الشوق، يرانا،

يَرفّ بأجنحةٍ،

نخشاه،

وما نحسن الإختباءْ،

لا مَفَرْ

يُملي ويُطاعْ،

والخمرة من جبل

من أصفى الكرمة

تطفئني، وتطفئني،

حتَّى يترنَّحُ مِثْلِي الكأسُ منتشياً



لم تكن إغفاءة ذكرىً مرجوّةْ

لأنشدَها حينما يسرق الوقتُ

أحلامي الصغيرةْ.

وما كانت ذرفاً للدمعِ سخيٍّاً،

على أطلال الغريبةْ،

ما تلك إذن؟

وسَألتْ...

حانياً ظهري،

وتوكَّأتُ عجوزاً

على طرفٍ بعصاً

من خطى العمر،

كنت أهشُّ بها علا من غبار السنينْ،

وابيضّ القلب بغير صباغٍ وسوءْ،

وقد انفلق البحر بحرين حولي،

وآنست بجانب قصرٍ مسحورٍ نارا،

فرجوتُ تمنحني قبساً يُستضاءُ بهِ،

يلامس أناتي، وشجوني الرتيبةْ.

ثمَّ اتَّجهتُ أحدِّق في نافذةٍ،

لا تخاف نواحَ العواصفِ

أو لسعة الريحْ،

ناديتها:

أنْ هزّي إليَّ بجذع النخلةْ

وليسّاقط جنى جنَّةِ الحرف

ورديّا، مخمورا..

كتفاحة حمراء تضجّ إثارةْ،

وحوّاء تغمز، تومي،

ويقطفها آدم العشق،

إذا امتُحِنَ العاشق الأزليْ،

مرّةً أخرى....