ضّيقٌ بحرِي
بتواضعٍ كادت تنام على الحصير روائعي،
وأبيةً كانت تذوب كشمعة الأسحارِ،
وما زالت تؤرِّقُني غرائِبُها،
تخافُ من المساء ومن دجى الأيَّام أحلامي،
ولا شيء يُصلح في الصباح مفاسدَ الأشعار،
والنظمُ في طيّ الحروف مغامرٌ
ما انفكت تراوده بسحر جمالها عن نفسه
جنيّةً لا يستريح من الغواء جنونُها،
والقلب يرجو عطفها الغجريَّ،
مصلوباً على الأعواد والخشب،
فأنا بدون دهائِها الموروثِ لن أتذّوق حلاوةَ الوَجْدِ،
ولن أسعى بجدّ وراء لذّة اللسْعِ،
وما غنّت لها الأوتار، وما
انكشف الجمالُ المستحيلُ لعاشقِ الوردِ.
أرى في حبّها ألماً وفي آلامها الحبَّ،
وفي طعناتها رشحاً من الَزهَرَ،
وفي أزهارها وَخْزٌ كما الإبَرِ،
قليلٌ من خِدارِ الحبر يملأني،
إذا ما صُّبَّ من كأس الهوى العَبِقِ،
وما العمر الذي نحيا،
سوى يومٍ بمشرقِهِ ومغربِهِ.
دعوني أرشف الساعات أشربُها
وأسكب ما ترسَّبَ في زوايا الكأسِ من زمنٍ.
دعوني في كهوف الليَّل والجنِّ،
لأقتات اليسيرَ من الفتات، ومن
بقايا الوقت، أوقاتاً تساعدني،
لأنْصبَ فوق ساريتي شراعاً
لا تمزّقُه العواصفُ غِيلَةً أبداً.
أمدّ بصوتيَ البحريَ في الأفقِ،
كبُحّة حزنيَ المرسومِ في الشفقِ،
تَشفّني لحناً غفا في حضرة الناي الحزينِ،
مُتّحِداً بآهاتٍ من العشق.
دعوني أجمع الأخشاب في صمتٍ،
أسابقُ في بناءِ الفُلك أيّامي،
وأعصر من سلالةِ أشرفِ الأعنابِ أمنيةً،
أغِيبُ بها، أجنّ بها، تُرَنّحُني،
وتحملني إلى المجهول مُلتحِفاً
نجومَ الليل والسُّحُبِ،
أطوف بها، بكعبتها، وإنْ أسع فقد ظلّ المدى ساحي،
وأُبحِر في جهات الكون معتمراً،
وثوبٌ من صباغ الثلج إحرامي،
وقرباني أقدّمه على طبق من الشِّعْرِ،
سَيَقْبلُهُ الإلهُ فقد أوحى إلى الرسلِ
كلاما ساد معجزةً ولسنا نُحسِنُ التقليدَ،
لن نأتي بمثل جميله نثراً.
دعوني في صوامع جَنَّتي الغنَّاء ملتمساً
خفايا الروح والأهواء والنزوات والزهدِ
وأني واثقٌ أنّ البحارَ بقاربي كادت تضيق رحابُها
وجنون أشرعة الرياح ولحنها ما عاد يغري مسار قواربي،
ولم تصغ لغير القلب بوصلةٌ وذو بصرِ،
ولم تذعن لغير الله في البحر،
أنا الحرف الذي غارت شواطيه،
كما الخمرُ المعتَّقُ في جرارِ الغابرِ الأزلي،
أنا المرسى، وإن شئتِ، أنا الأحلام في الحبر.
بيروت
29/3/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق